كُلّنا في الفُلك نسبح

شغور
2 min readMar 24, 2021

أمسكت القلم، أغمضت عيني. جعلت قلمي مُرشد مساري. الهدوء هو الحاكم. هو الذي يجلب الوضوح والقوّة. الغموض يذهب بجلال القلم. بالخلوة مع النفس وأفكارها. ممّا الخوف؟ من الفقر والعوز؟ من الموت؟ من فقد الأحبّة؟ من المرض والجوع؟ وهل ترين في ذلك النهاية؟ ما هي النهاية؟ ما هو القعر؟ ما هو الحدث الجليل الذي يهزّ النفس بلا رجوع؟ لا شيء. حقاً لا شيء. الحياة تمضي.

لا شيء يُوقف الزمان ويُعلن نهايتها. لا الموت ولا الجوع ولا العوز. ولا حتى انفجار نووي ينسف نصف المدينة. الحياة تمضي. لم نمت. نحمل اشلائنا ونمضي. نحمل تجارب الرعب والخوف معنا، لكنّ الوقت لا يتوقف. لا الجنين يبقى في رحم الأم، ولا الشتاء يُوقف المطر، ولا الليل سابق النهار، كلنّا في الفُلك نسبح.

رُزقنا بصباح آخر، وبنفسٍ جديد، وذلك كفيل أن نمضي. أن نبقي روح الحياة فينا لمجرد أننا أحياءٌ نُرزق. الحُزن يسكن أرواحنا ويتآكل من مدينةٍ تحتضر، من أحبّاء تجوع، من عوائل تُهجّر. لربما الحُزن يسكن وجودنا الجمعي أكثر من أرواحنا الفُرادى. قد تذهب ألوان الحياة مع هذا الانهيار الكبير. هذا الرعب يسكننا لأنّ كل ما نألفه من هذا الواقع يتبخر. والرُعب يمقت في المجهول، وفي المآلات الغير المعروفة، في السقوط الحر. أريد أن أتعرّف على هذا الرعب لكي لا يأكلني، وأن أداوي ذاك التبخر.

أدرك أن مفهوم الحياة كما أعرفها لم يعد في الحسبان. وأن كثيراً من هذا التبدّل هو جريمة ارتكبها لصوص عن قصد إصرار وتصميم. لكنّي لا أريد أن ألعب دور الضحية، رغم أنني وكل من أعرف يدفعون ثمن تلك الجريمة. لكنّي لا أريد التباكي على نفسي ولطمها وإدخالها دوّامة الرعب. أريد أن أرى السكن والسكينة في نفسي. في التوكل على الله وأقداره وما كتبه من رزقٍ لي.

المؤنس الأكبر في نفسي هو أن الحياة تمضي. فقدت أحباباً للموت، ومضت الحياة. اختبرت الفقر والجوع، ولم يتوقف شيء. رأيت مدينتي تُقلب رأساً على عقب، وبقيت الشمس تُشرق مع كل صباح. أُدرك الذُلّ في تلك التجارب، وأُدرك أنها ليست أقداراً فارغة، إنمّا نتيجة إجرام واضح. أُدرك الألم فيها. لكن الحياة تُجربنا على التعامل مع أمواجها. وأدرك أن الله لن يُحمّلنا ما لا طاقة لنا به.

أريد أن أنظر الرعب في عينيه لكي أُدرك السكينة. أريد أن أُسلّم نفسي لما سيكتبه الله لي، شاكرة رضيّة مُطمئنة. لا أريد أن أستسلم لشبح الموت وخفوت الألوان.

--

--

شغور

“.نُعير الآخر طوق نجاتنا”