رُفعت الأقلام وجفّت الصحف

شغور
2 min readJan 26, 2021

كانوا دائمي التوسّل إلى الله بالرغبة بالثبات، وعدم الإنجرار إلى فتن هذه الدنيا وشهواتها. لكن أيُّ ثباتٍ هذا وقد إنهارت عوالمنا؟ والثبات على ماذا؟ على نُظُمٍ وحشيةٍ تبتلعنا ونحن أحياء؟

لا أمقت الثبات فحسب، بل أعاديه. أيُّ عقلٍ هذا الذي يبقى على حاله بعدما رأى من هول هذه الدنيا؟ وهل تبقى ثابت الرؤية الطوباية في شبابك وهرمك؟ ماذا فعلت فيك هذه السنين اذا بقيت على حالك؟ ألا تغضب على دوام الحال كما كان؟ ألا تهتز روحك للذين زُهقت أرواحهم، وأُخذ اللون من عيونهم والقوت من أفواههم والهواء من بيوتهم حتى أستنجدوا الله الموت مقابل ال”ثبات” على هذه الحياة؟

ألّا ترى أن في هذا العالم ما هو سقيم؟ وقد تفشّى الخبث في جسد هذا الكوكب حتى نُفخ في صورنا أنّه يوم الحساب. وقد أتى عالمنا ليُحاسبنا على ذنوبنا وشرّنا وشياطنينا. وقد رُفعت الأقلام وجفّت الصحف، لأنّ كوكبنا هذا ما عاد يطيق العيش مع خبثنا. وقُلبت الموازين، فقامت الشمس من مغربها، وجُمع الناس رغم أنوفهم التي علت فوق حجمهم الوضيع وجشعهم الذي لا يشبع. حان الآن موعد إنهيار النظم حسب التوقيت المحلّي لكوكب الأرض.

رُفع الأذان. إنتهى الصبر والصيام. وها قد غابت الشمس من مشرقها. العالم السابق الذي بنيتموه قد انتهى. جبروت آلهة رأس المال قد تحطّم. أبواب قصور الذهب والأوراق المزيّفة تُخلع من الفقراء الذين علموا أنّ في الثبات هلاك. سقطت الأقنعة، وقد بان الخير من الشر، فابيضّت وجوه واسوّدت أخرى. فترى فحم الجلود على حُرّاس القصر وشعراء بلاطه. ما عاد فرسان الأبراج يُخيفون الجموع وقد علمّوا من فيه. وما عاد أدب شُعراء البلاط يسحرهم بعد أن تفشّى السمّ في الحصون. ها وقد قامت القيامة، ما عاد للجموع شيءٌ ليخسروه. ها وقد انهارت كل الحوائط التي “ثبتوا” عليها لل”سترة”. فما عاد هناك أي غطاء للإستتار وإكمال العيش الوضيع. نُزعت السدود التي جُعلت من بين أيديهم وخلفهم، فابصروا وراء كل الأغشية. وعلموا أنّهم مُقرّنين بأصفاد واحدة من جوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات. فما من باب للنجاة سوى التآزر على الفراعنة وجنودهم لتُخسف البحار بهم وتبتلعهم لجوف الأرض فتتحلّل أجسادهم إلى غيابٍ أبديّ لا رجوع بعده. فيصبحون سماداً لحصادِ سنابل يُغاث الناس فيه بعد السنين العجاف.

--

--

شغور

“.نُعير الآخر طوق نجاتنا”